(فواز مصطفى)
عندَما نفحص التاريخ كمراقبين متجردين من العواطف نرى انه ميال لإعادة نفسه والسبب طبعا هو تشابه دواخل النفس البشرية وأطماعها ونواياها ويبقى التشابه الكبير ما بين الحقب التاريخية مرهونا بسرعة بناء الأمم والحضارات.
ومن الواضح للقارئ والباحث في التاريخ تشابه الظروف التي نمر بها الآن مع ظروف القارة الأوربية قبل عصر النهضة، فقد كان الحكم الديني هو المسيطر على مقدرات القارة جمعاء وكانت الكنيسة تحكم من خلال الملوك بواسطة كاردينالاتها الذين كانوا يحكمون الممالك والإمارات الأوربية.
وكانت الكنيسة تحكم بيد من حديد وتمارس أبشع الجرائم باسم الدين وتغذي الحروب والصراعات العرقية والطائفية بين الممالك والإمارات وكانت تسيطر على الاقتصاد والعلوم والآداب وحتى الفنون والموسيقى، فكل شيء في الدولة بخدمة الكنيسة وإلا فمحاكم التفتيش حاضرة والمشانق والصلبان تنتظر المهرطقين الذين يعارضونها وكلنا سمعنا كيف اتهم غاليليو بالهرطقة عندما نشر اكتشافه بان الأرض كروية ولم يسلم من المشنقة إلا بادعاء الجنون.
ولكن كيف استعادت أوربا عافيتها وأصبحت على ما هي عليه الآن؟ فالقارة الآن هي قمة في التقدم العلمي والحضاري والإنساني، عندما ننظر للوراء نرى أن القارة العجوز لم تتمكن من تحقيق ما هي عليه الآن إلا بعد أن تخلصت من حكم الدين والكنيسة فالثورات المتعاقبة بدءا بالثورة الفرنسية وارتفاع أصوات المفكرين والفلاسفة والمنظرين الأوربيين عزلت الكنيسة وحصرتها في زاوية حوك المؤامرات والدس بين هذا وذاك وفقدت تأثيرها الشعبي والحكومي لصالح العلمانية التي كانت تعد الأوربيين بزوال الفقر والرفاهية الاجتماعية التي تحققت بالفعل بعد الاتكال على البحث العلمي والتخطيط الطويل الأمد وعلى عقول الكتاب والفلاسفة والمنظرين التي أسهمت نظرياتهم بالتقدم الاجتماعي العلمي للشعب الأوربي عامة.
كل الأديان السماوية تقول بأن الإنسان محاسب وله شفعاء وهو يحاسب منفردا كل على عمله ومن هذا نعرف بأن الدين هو رابطة إنسانية فردية بين الخالق والمخلوق والرسالات الربانية وصلت كلها ولا مزيد من الرسل والأديان، فكل الأديان شُرحت وعرف الجميع ما لهم وعليهم والعبد يعرف ربه ولا يحتاج لأحد يدله عليه.
أتمنى أن يمتد بي العمر كي أرى دورة التاريخ في بلدي وكيف سترفع سيوف الدين عن رقاب الشعب المسكين ويمارس الفكر الحر دوره في بناء حضارة العرب وإيقاد شعلتها مرة أخرى لتنير الدرب نحو المستقبل كما أنارتهُ أوربا من قبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق