.

آخر الأخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

الاثنين، 26 فبراير 2018

هل مات المثقف الأيديولوجي؟



(شامل عبد القادر)

بالفعل بعد مراجعتي للكتابات والآراء التي هاجمتني، لاحظت أن كتابها من الحزبيين أو من حزبيين سابقين أو حزبيين انتقلوا إلى جهة أخرى!بمناسبةِ زيارتي مع أصدقاء للكاتب العراقي عبد الحسين شعبان، لدى زيارته إلى بغداد، تناولنا قضايا كثيرة، ربما أبرزها المناكفات السياسية في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، فقلت له: أشعر أن هناك حملات ظالمة ضدي من قوى شيوعية وصدامية بسبب كتاباتي المستقلة فكرياً وسياسياً.. أجابني ضاحكاً بلهجته النجفية الناعمة: (بالعكس لا تضوج..  هاي معناها جاي يقرولك..). ثم أضاف: (وهاي مشكلة الكاتب والمؤرخ العراقي غير المؤدلج.. مشكلة أي كاتب مستقل)!
ابتسمت وارتحت!
في سنوات الستينيات والسبعينيات حشت الأحزاب الشمولية أدمغتنا بما يسمى بـ(الالتزام والالتزام الثوري!!) و(المثقف الثوري وغير الثوري!!) إلى آخر قائمة (الترهات الثورية!) واكتشفت أن من أملى علينا هذه (الثوريات!) كان يأكل السمك المسكوف والكباب الحار ويشرب البيرة والويسكي ويراقص المراهقات في قاعات أبهة في فنادق المنصور ميليا وشيراتون ونادي الصيد، وأنا مطمور في جحر ترابي تشاركني المنام فيه سلحفاة ضخمة هرعت من حواف هور (العزير) ورمت نفسها في ملجئي القتالي فزعاً من القنابل (الإيرانية) التي كانت تتساقط علينا كالمطر في رمضان 1985!
كان قسم من هؤلاء المنظرين (الثوريين!) بعد ثورة 14 تموز 1958 يمارسون الخديعة ضدنا تحت شعار (الأدب الثوري والنظرية الثورية!) وهم يسهرون حتى الفجر في ليال حمر وعلموا العراقيين، أن (موسكو) أغلى من (بغداد) وأن الأممية أقوى من الوطنية وجاء البعثيون ليجعلوا من دمشق كعبة للأمة العربية وبالتالي صنع القوميون من القاهرة كعبة للعرب، وعندما كان المواطن العراقي البسيط يدعو إلى العراق والعراقية يضعونه في حوض التيزاب بتهمة الترويج (للقطرية!) أي الوطنية!!
انتقل العراقي من الأممية إلى القومية إلى القطرية ونزعوا عن جلده وطنيته وصارت (العراقية) تهمة خطرة عقوبتها الإعدام أو السجن مدى الحياة لأنها تستهدف العروبة، وحول القوميون من عبد الكريم قاسم إلى شخص شعوبي لأنه تمسك بالوطنية العراقية!
محنة المثقف العراقي بصراحة ليست مع تاريخه وارثه بل مع طروحات الأحزاب الشمولية والأيديولوجيات السخيفة التي استحكمت برقابنا وأعناقنا وأنفاسنا ولم نتحرر منها بعد حتى الآن، وما زال المؤدلجون والمنتسبون للأحزاب الشمولية وعباد الطغاة والديكتاتوريون يحاكمون الثقافة والمثقف العراقي بمسطرة ستالين وعبد الكريم قاسم وعبد الناصر وعبد السلام عارف والبكر وصدام!!
لقد تحررنا من عبودية الأحزاب الشمولية التي فشلت فشلاً ذريعاً ومخزياً في إنجاز أي تحول ديمقراطي حقيقي في حياة العراقيين وبقيت مجرد شعارات محنطة في متحف التاريخ!!
إننا مستقلون ونعشق الاستقلالية بعد أن تحررنا من ربقة وبؤس (الالتزام الثوري!) وموائد (الثورية!) التي جلبت منافعها لحفنة من (الرفاق الجلادين!) وبقيت الملايين تعيش بؤسها وتلعق شعارات الأحزاب الثورية في المعتقلات والسجون قبل 2003!!
لا أستثني أحداً من طغيان (الأحزاب الثورية) التي ما زالت (هياكلها العظمية!) تعيش معنا للأسف الشديد كما لو كانت تحفر لحياتنا قبوراً للمعرفة.. والأيديولوجيات التي تعفنت منذ أكثر من ربع قرن!!
والسؤال اليوم: هل مات المثقف الأيديولوجي في العراق؟ الجواب: نعم وشبع موتاً!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

الاكثر إهتماما