(عزيز جميل الناصري)
حد اللحظة يبدو أن مزاج الشارع العراقي يميل للمقاطعة، على الأقل بوسع مراسلي القنوات والصحف أن يحصلوا في الشارع على عدد جيد من المحبطين واليائسين من إحداث تغيير مهم في المشهد السياسي العراقي عبر صناديق الانتخابات،
لا أميل إلى القول إن هذا الموقف يعكس تواضعا في الثقافة والوعي العام المدرك لخطورة الآليات الديمقراطية، وقدرتها على تغيير مسارات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، بقدر ما يعكس وضعا نفسيا عاما يدفع باتجاه خيار المقاطعة، وإذا كان الأمر كذلك فإن لموسم الدعاية الانتخابية أن يعطي ثمارا جيدة باتجاه زرع حالة من التفاؤل وإقناع الناخبين بأن لديهم فرصة سانحة ليلعبوا دورا ما في تحقيق ما يصبون إليه، شطارة المرشحين تبدو فيصلا في تحقيق هذه الدفعة وتخفيف مزاج الرفض والمقاطعة، وذلك من خلال الاعتماد على:
أولا\ ملامسة هموم المواطن في كل دائرة انتخابية، ومعرفة ما هي المشاكل التي تشكل له أولوية قصوى، نعم تكاد مشاكل البطالة والفقر والخدمات أن تكون قاسما مشتركا، ولكن مع هذا فهناك تفاوت في مستوى الكم والنوعية والآليات والتي تشكل خصوصيات نوعا ما لكل محافظة عراقية اليوم.
ثانيا\ تجديد الخطاب و الابتعاد عن الدعايات والأقوال والوعود المستهلكة والصياغات الخطابية التي سئمها المواطنون.
ثالثا\ محاولة كسب ثقة الناس بطرق وآليات مبتكرة.. عقد الندوات والتواصل والحضور الميداني القائم على المصارحة والتوعية ومشاركة المعلومات وما شابه ذلك من الممكن أن تؤدي إلى نتائج تجذب المواطن للمشاركة.
إن فكرة التجديد وتغيير الوجود فكرة لها أن تغدو محركا ودافعا لإعادة حسابات أصحاب نوايا المقاطعة، ولكن للأمانة يجب هنا أن يكون المواطن العراقي واعيا بالدرجة المطلوبة، فمسألة تغيير الوجوه ليست هي الحل السحري للب المشاكل وجوهر الأزمات التي عانى منها البلد، فمن جهة أولى يعتبر النظام السائد في البلاد نظاما برلمانيا ولذا فمن يتم انتخابه إنما سيشغل موقعا تمثيليا لناخبيه في السلطة التشريعية، ذهن المواطن العراقي حتى اليوم لا يقف عند هذه النقطة ويقفز مباشرة إلى الحكومة التي ستشكل فيها بعد من القوى الأكثر تمثيلا في مجلس النواب، ومن جهة ثانية ليس كل من شغل منصبا برلمانيا أو تنفيذيا سابقا يتحمل أوزار المشاكل والقصور في معالجتها، وسأضرب مثالا على ذلك من وجه نظر شخصية مستقلة، لا علاقة لي بالائتلافات و الأحزاب، لأقول إن الكثير من الشباب الرياضي على سبيل المثال ينظر اليوم إلى وزير الرياضة السيد عبد الحسين عبطان باعتباره شخصية قامت بواجباتها بصورة تركت انطباعا عاما بالرضا، ومعروف أن الأخ عبطان ليس من الوجوه الجديدة بالطبع، شخصية أخرى على مستوى الجغرافيا التي انتمي إليها، تتمثل بالمهندس شيروان الوائلي، فالرجل يحظى بثقة العديد من مواطني محافظته، وكانت له ايادٍ بيضاء لأهاليها وشبابها، وبرغم انه لا يمتلك موقعا تنفيذيا لكن تميز بحضوره وحركته وتواصله مع أبناء جلدته، فضلا عن خبرته في أكثر من موقع، مثال ثالث هو الدكتور إبراهيم بحر العلوم وزير النفط السابق، وأشير إليه باعتباره كفاءة علمية في مجال الاقتصاد والصناعة النفطية، ولا شك هناك أمثلة أخرى ممن امتلكوا الخبرة والمؤهلات، ما أريد قوله إن على الناخب العراقي أن لا يقع في فخ (التغيير) لمجرد المجيء بوجوه لم يرها من قبل في موقع المسؤولية التشريعية أو التنفيذية، فربما سيندم على ذلك بهذا القدر أو ذاك. وخير الأمور أن تكون ثمة حالة من التوازن بين التغيير والخبرة.
ولعل ثمة مسألة أخرى فيما يخص الانتخابات المقبلة، وهي أنها تقع تحت وطأة قلة التمويل المالي المحلي، فبحسب المحلل السياسي هشام الهاشمي فإن رجال المال السياسي المعروفين أمثال عون الخشلوك، عصام الأسدي، فاضل الدباس، عبدالله عويز الجبوري، خميس الفلاحي، فيصل الخضيري، جبار الكبيسي، نائر الجميلي، قاسم الراوي ، جمال الجنابي.. لم يستثمروا في هذه الانتخابات، و لهذا على المواطن أن يعرف بأن الحملات الدعائية الواسعة والباذخة مشكوك في طريقة تمويلها و الأطراف التي تقف وراءها.
وعلى أية حال فلا أرى فكرة المقاطعة فكرة حصيفة ومثمرة، ولعل من الممكن طرح السؤال التالي: لماذا يشترك المواطن الأوربي في الانتخابات، فآخر انتخابات في ألمانيا كانت نسبة المشاركة 75% و آخر انتخابات فرنسية تجاوزت نسبة المشاركة أكثر من 74%، ونحن نعلم أن مشاكل المواطن في هذه الدول مقارنة بالمشاكل العراقية لا تكاد تذكر على الإطلاق؟ الجواب بكل أمانة هو الوعي بقيمة المشاركة، وإدراك أن الديمقراطية هي حق الشعب في إنتاج الطبقة الحاكمة وليس حق الساسة في الوصول إلى سدة القرار..لذا علينا إدراك حقيقة أن المشاكل لا تحل من تلقاء نفسها، ولا مناص من أن نشارك لإحداث التغيير المرجو بأي نسبة كانت، فهو خطوة إلى الأمام، واختيارات الناخب الواعية هي الفيصل.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق